فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{يوْم تكُونُ السّماءُ كالْمُهْلِ (8)} فيه مسألتان:
المسألة الأولى:
{يوْم تكُونُ} منصوب بماذا؟ فيه وجوه أحدها: بقريبا، والتقدير: ونراه قريبا، يوم تكون السماء كالمهل، أي يمكن ولا يتعذر في ذلك اليوم وثانيها: التقدير: سأل سائل بعذاب واقع يوم تكون السماء كالمهل والثالث: التقدير يوم تكون السماء كالمهل كان كذا وكذا والرابع: أن يكون بدلا من {يوم}، والتقدير سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يوم تكون السماء كالمهل.
المسألة الثانية:
أنه ذكر لذلك اليوم صفات:
الصفة الأولى: أن السماء تكون فيه كالمهل وذكرنا تفسير المهل عند قوله: {بِماء كالمهل} [الكهف: 29] قال ابن عباس: كدردى الزيت، وروى عنه عطاء: كعكر القطران، وقال الحسن: مثل الفضة إذا أذيبت، وهو قول ابن مسعود.
الصفة الثانية: أن تكون الجبال فيه كالعهن، ومعنى العهن في اللغة: الصوف المصبوغ ألوانا، وإنما وقع التشبيه به، لأن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود فإذا بست وطيرت في الجو أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح.
الصفة الثالثة: قوله: {ولا يسْئلُ حمِيمٌ} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قال ابن عباس الحميم القريب الذي يعصب له، وعدم السؤال إنما كان لاشتغال كل أحد بنفسه، وهو كقوله: {تذْهلُ كُلُّ مُرْضِعةٍ عمّا أرْضعتْ} [الحج: 2] وقوله: {يوْم يفِرُّ المرء مِنْ أخِيهِ} [عبس: 34] إلى قوله: {لِكُلّ امرئ مّنْهُمْ يوْمئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37] ثم في الآية وجوه أحدها: أن يكون التقدير: لا يسأل حميم عن حميمه فحذف الجار وأوصل الفعل الثاني: لا يسأل حميم حميمه كيف حالك ولا يكلمه، لأن لكل أحد ما يشغله عن هذا الكلام الثالث: لا يسأل حميم حميما شفاعة، ولا يسأل حميم حميما إحسانا إليه ولا رفقا به.
المسألة الثانية:
قرأ ابن كثير: {ولا يسْئلُ} بضم الياء، والمعنى لا يسأل حميم عن حميمه ليتعرف شأنه من جهته، كما يتعرف خبر الصديق من جهة صديقه، وهذا أيضا على حذف الجار قال الفراء: أي لا يقال لحميم أين حميمك ولست أحب هذه القراءة لأنها مخالفة لما أجمع عليه القراء.
قوله تعالى: {يُبصّرُونهُمْ} يقال: بصرت به أبصر، قال تعالى: {بصُرْتُ بِما لمْ يبْصُرُواْ بِهِ} [طه: 96] ويقال: بصرت زيد بكذا فإذا حذفت الجار قلت: بصرني زيد كذا فإذا أثبت الفعل للمفعول به وقد حذفت الجار قلت: بصرني زيدا، فهذا هو معنى يبصرونهم، وإنما جمع فقيل: يبصرونهم لأن الحميم وإن كان مفردا في اللفظ فالمراد به الكثرة والجميع والدليل عليه قوله تعالى: {فما لنا مِن شافعين} [الشعراء: 100] ومعنى يبصرونهم يعرفونهم، أي يعرف الحميم الحميم حتى يعرفه، وهو مع ذلك لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه، فإن قيل: ما موضع يبصرونهم؟ قلنا: فيه وجهان الأول: أنه متعلق بما قبله كأنه لما قال: {ولا يسْئلُ حمِيمٌ حمِيما} [المعارج: 10] قيل: لعله لا يبصره فقيل يبصرونهم ولكنهم لاشتغالهم بأنفسهم لا يتمكنون من تساؤلهم الثاني: أنه متعلق بما بعده، والمعنى أن المجرمين يبصرون المؤمنين حال ما يود أحدهم أن يفدي نفسه لكل ما يملكه، فإن الإنسان إذا كان في البلاد الشديد ثم رآه عدوه على تلك الحالة كان ذلك في نهاية الشدة عليه.
الصفة الرابعة: قوله: {يودُّ المجرم لوْ يفْتدِي مِنْ عذابِ يوْمِئِذٍ بِبنِيهِ وصاحبته وأخِيهِ} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
المجرم هو الكافر، وقيل: يتناول كل مذنب.
المسألة الثانية:
قرئ {يوْمئِذٍ} بالجر والفتح على البناء لسبب الإضافة إلى غير متمكن، وقرئ أيضا: {مِنْ عذابِ يوْمِئِذٍ} بتنوين {عذابِ} ونصب {يوْمئِذٍ} وانتصابه بعذاب لأنه في معنى تعذيب.
وقوله تعالى: {وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا}
فصيلة الرجل، أقاربه الأقربون الذين فصل عنهم وينتهي إليهم، لأن المراد من الفصيلة المفصولة، لأن الولد يكون منفصلا من الأبوين.
قال عليه السلام: «فاطمة بضعة مني» فلما كان هو مفصولا منهما، كانا أيضا مفصولين منه، فسميا فصيلة لهذا السبب، وكان يقال للعباس: فصيلة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن العم قائم مقام الأب، وأما قوله: {تؤويه} فالمعنى تضمه انتماء إليها في النسب أو تمسكا بها في النوائب.
وقوله: {ثُمّ يُنجِيهِ} فيه وجهان الأول: أنه معطوف على {يفْتدِي} [المعارج: 11] والمعنى: يود المجرم لو يفتدي بهذه الأشياء ثم ينجيه والثاني: أنه متعلق بقوله: {ومن في الأرض} والتقدير: يود لو يفتدي بمن في الأرض ثم ينجيه، و{ثُمّ} لاستبعاد الإنجاء، يعني يتمنى لو كان هؤلاء جميعا تحت يده وبذلهم في فداء نفسه، ثم ينجيه ذلك، وهيهات أن ينجيه.
{كلّا إِنّها لظى (15) نزّاعة لِلشّوى (16)}
{كلاّ} ردع للمجرم عن كونه بحيث يود الافتداء ببنيه، وعلى أنه لا ينفعه ذلك الافتداء، ولا ينجيه من العذاب، ثم قال: {إِنّها} وفيه وجهان الأول: أن هذا الضمير للنار، ولم يجر لها ذكر إلا أن ذكر العذاب دل عليها والثاني: يجوز أن يكون ضمير القصة، و{لظى} من أسماء النار.
قال الليث: اللظى، اللهب الخالص، يقال: لظت النار تلظى لظى، وتلظت تلظيا، ومنه قوله: {نارا تلظى} [الليل: 14] و{لظى} علم للنار منقول من اللظى، وهو معرفة لا ينصرف، فلذلك لم ينون، وقوله: {نزّاعة} مرفوعة، وفي سبب هذا الارتفاع وجوه الأول: أن تجعل الهاء في أنها عماد، أو تجعل {لظى} اسم إن، و{نزاعة} خبر إن، كأنه قيل: إن لظى نزاعة والثاني: أن تجعل الهاء ضمير القصة، و{لظى} مبتدأ، و{نزاعة} خبرا، وتجعل الجملة خبرا عن ضمير القصة، والتقدير: إن القصة لظى نزاعة للشوى والثالث: أن ترتفع على الذم، والتقدير: إنها لظى وهي نزاعة للشوى، وهذا قول الأخفش والفراء والزجاج.
وأما قراءة النصب ففيها ثلاثة أوجه أحدها: قال الزجاج: إنها حال مؤكدة، كما قال: {هُو الحق مُصدّقا} [فاطر: 31] وكما يقول: أنا زيد معروفا، اعترض أبو علي الفارسي على هذا وقال: حمله على الحال بعيد، لأنه ليس في الكلام ما يعمل في الحال، فإن قلت في قوله: {لظى} معنى التلظي والتلهب، فهذا لا يستقيم، لأن {لظى} اسم علم لماهية مخصوصة، والماهية لا يمكن تقييدها بالأحوال، إنما الذي يمكن تقييده بالأحوال هو الأفعال، فلا يمكن أن يقال: رجلا حال كونه عالما، ويمكن أن يقال: رأيت رجلا حال كونه عالما وثانيها: أن تكون {لظى} اسما لنار تتلظى تلظيا شديدا، فيكون هذا الفعل ناصبا، لقوله: {نزّاعة} وثالثها: أن تكون منصوبة على الاختصاص، والتقدير: إنها لظى أعنيها نزاعة للشوى، ولم تمنع.
المسألة الثالثة:
{الشوى} الأطراف، وهي اليدان والرجلان، ويقال للرامي: إذا لم يصب المقتل أشوى، أي أصاب الشوى، والشوى أيضا جلد الرأس، واحدتها شواة ومنه قول الأعشى:
قالت قتيلة ماله ** قد جللت شيبا شواته

هذا قول أهل اللغة، قال مقاتل: تنزع النار الهامة والأطراف فلا تترك لحما ولا جلدا إلا أحرقته، وقال سعيد بن جبير: العصب والعقب ولحم الساقين واليدين، وقال ثابت البناني: لمكارم وجه بني آدم.
واعلم أن النار إذا أفنت هذه الأعضاء، فالله تعالى يعيدها مرة أخرى، كما قال: {كُلّما نضِجتْ جُلُودُهُمْ بدلناهم جُلُودا غيْرها لِيذُوقُواْ العذاب} [النساء: 56].
{تدْعُو منْ أدْبر وتولّى (17) وجمع فأوْعى (18)} فيه مسألتان:
المسألة الأولى:
اختلفوا في أن لظى كيف تدعو الكافر، فذكروا وجوها:
أحدها: أنها تدعوهم بلسان الحال كما قيل: سل الأرض من أشق أنهارك، وغرس أشجارك؟ فإن لم تجبك جؤارا، أجابتك اعتبارا فههنا لما كان مرجع كل واحد من الكفار إلى زاوية من زوايا جهنم، كأن تلك المواضع تدعوهم وتحضرهم.
وثانيها: أن الله تعالى يخلق الكلام في جرم النار حتى تقول صريحا: إلى يا كافر، إلى يا منافق، ثم تلتقطهم التقاط الحب.
وثالثها: المراد أن زبانية النار يدعون فأضيف ذلك الدعاء إلى النار بحذف المضاف.
ورابعها: تدعو تهلك من قول العرب دعاك الله أي أهلكك، وقوله: {منْ أدْبر وتولى} يعني من أدبر عن الطاعة وتولى عن الإيمان {وجُمِع} المال {فأوْعى} أي جعله في وعاء وكنزه، ولم يؤد الزكاة والحقوق الواجبة فيها فقوله: {أدْبر وتولى} إشارة إلى الإعراض عن معرفة الله وطاعته، وقوله: {وجمع فأوْعى} إشارة إلى حب الدنيا، فجمع إشارة إلى الحرص، وأوعى إشارة إلى الأمل، ولا شك أن مجامع آفات الدين ليست إلا هذه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يوْم تكُونُ السماء كالمهل}
العامل في {يوْم} {واقع}؛ تقديره يقع بهم العذاب يوم.
وقيل: {نراهُ} أو {يُبصّرونهم} أو يكون بدلا من قريب.
والْمُهْلُ: دُرْدِيّ الزيت وعكرُه؛ في قول ابن عباس وغيره.
وقال ابن مسعود: ما أذيب من الرّصاص والنُّحاص والفضّة.
وقال مجاهد: {كالْمُهْلِ} كقيح من دم وصديد.
وقد مضى في سورة (الدخان)، و(الكهف) القول فيه.
{وتكُونُ الجبال كالعهن} أي كالصُّوف المصبوغ.
ولا يقال للصوف عِهْن إلا أن يكون مصبوغا.
وقال الحسن: {وتكُونُ الجبال كالعهن} وهو الصوف الأحمر، وهو أضعف الصوف.
ومنه قول زُهير:
كأن فُتات العِهنِ في كل منزل ** نزلن به حبُّ الفنا لم يُحطّمِ

الفُتاتُ القِطع.
والعِهْنُ الصوفُ الأحمر؛ واحده عِهْنة.
وقيل: العهْنُ الصوف ذو الألوان؛ فشبّه الجبال به في تلوُّنها ألوانا.
والمعنى: أنها تلين بعد الشدّة، وتتفرق بعد الاجتماع.
وقيل: أوّل ما تتغير الجبال تصير رمْلا مهِيلا، ثم عِهْنا منفوشا، ثم هباء مُنْبثا.
{ولا يسْألُ حمِيمٌ حمِيما} أي عن شأنه لشغل كل إنسان بنفسه، قاله قتادة.
كما قال تعالى: {لِكُلِّ امرئ مِّنْهُمْ يوْمئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37].
وقيل: لا يسأل حميم عن حميم، فحذف الجار ووصل الفعل.
وقراءة العامة {يسأل} بفتح الياء.
وقرأ شيبة والبزِّي عن عاصم {ولا يُسأل} بالضم على ما لم يسم فاعله، أي لا يُسأل حميم عن حميمه ولا ذو قرابة عن قرابته، بل كل إنسان يسأل عن عمله.
نظيره: {كُلُّ نفْسٍ بِما كسبتْ رهِينةٌ} [المدثر: 38].
قوله تعالى: {يُبصّرُونهُمْ} أي يرونهم.
وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس.
فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته وعشيرته ولا يسأله ولا يكلمه؛ لاشتغالهم بأنفسهم.
وقال ابن عباس: يتعارفون ساعة ثم لا يتعارفون بعد تلك الساعة.
وفي بعض الأخبار: أن أهل القيامة يفِرّون من المعارف مخافة المظالم.
وقال ابن عباس أيضا: {يُبصّرُونهُمْ} يبصر بعضهم بعضا فيتعارفون ثم يفرّ بعضهم من بعض.
فالضمير في {يُبصّرُونهُمْ} على هذا للكفار، والميم للأقرباء.
وقال مجاهد: المعنى يبصّر الله المؤمنين الكفار في يوم القيامة؛ فالضمير في يبصرونهم للمؤمنين، والهاء والميم للكفار.
ابن زيد: المعنى يبصر الله الكفار في النار الذين أضلّوهم في الدنيا؛ فالضمير في {يُبصّرُونهُمْ} للتابعين، والهاء والميم للمتبوعين.
وقيل: إنه يبصر المظلوم ظالمه والمقتول قاتله وقيل {يبصرونهم} يرجع إلى الملائكة؛ أي يعرفون أحوال الناس فيسوقون كلّ فريق إلى ما يليق بهم.
وتم الكلام عند قوله: {يُبصّرُونهُمْ}.
ثم قال: {يودُّ المجرم} أي يتمنى الكافر.
{لوْ يفْتدِي مِنْ عذابِ يوْمِئِذٍ} يعني من عذاب جهنم بأعزّ من كان عليه في الدنيا من أقاربه فلا يقدر.
ثم ذكرهم فقال: {بِبنِيهِ}.
{وصاحِبتِهِ} وزوجته.
{وأخِيهِ}.
{وفصِيلتِهِ} أي عشيرته.
{التي تُؤْوِيهِ} تنصره؛ قاله مجاهد وابن زيد.
وقال مالك: أمّه التي تُربِّيه.
حكاه الماورديّ ورواه عنه أشهب.
وقال أبو عبيدة: الفصِيلة دون القبيلة.
وقال ثعلب: هم آباؤه الأدنون.
وقال المبرد: الفصيلة القطعة من أعضاء الجسد، وهي دون القبِيلة.
وسُمِّيت عتْرة الرجل فصيلته تشبيها بالبعض منه.
وقد مضى في سورة (الحجرات) القول في القبيلة وغيرها.
وهنا مسألة، وهي: إذا حبس على فصيلته أو أوصى لها فمن ادعى العموم حمله على العشِيرة، ومن ادعى الخصوص حمله على الآباء؛ الأدنى فالأدنى.
والأوّل أكثر في النطق.
والله أعلم.
ومعنى: {تُؤْويه} تضمه وتؤمّنه من خوف إن كان به.
{ومن فِي الأرض جمِيعا} أي ويودّ لوفُدِي بهم لافتدى {ثُمّ يُنجِيهِ} أي يخلصه ذلك الفداء.
فلا بد من هذا الاضمار، كقوله: {وإِنّهُ لفِسْقٌ} أي وإن أكله لفِسق.
وقيل: {يودُّ الْمُجرِمُ} يقتضي جوابا بالفاء؛ كقوله: {ودُّواْ لوْ تُدْهِنُ فيُدْهِنُون}.
والجواب في هذه الآية {ثُمّ يُنْجِيِه} لأنها من حروف العطف؛ أي يوّد المجرم لو يفتدى فينجيه الافتداء.
{كلّا إِنّها لظى (15)}
قوله تعالى: {كلاّ} تقدّم القول في {كلاّ} وأنها تكون بمعنى حقا، وبمعنى لا.
وهي هنا تحتمل الأمرين؛ فإذا كانت بمعنى حقا كان تمام الكلام {يُنجيهِ}.
وإذا كانت بمعنى لا كان تمام الكلام عليها؛ أي ليس ينجيه من عذاب الله الافتداء ثم قال: {إِنّها لظى} أي هي جهنم؛ أي تتلظّى نيرانها؛ كقوله تعالى: {فأنذرْتُكُمْ نارا تلظى} [الليل: 14] واشتقاق لظي من التلظيِّ.
والتِظاءُ النار التهابها، وتلظّيها تلهُّبها.
وقيل: كان أصلها (لظظ) أي مادامت لدوام عذابها؛ فقلبت إحدى الظائين ألفا فبقيت لظى.
وقيل: هي الدركة الثانية من طبقات جهنم.
وهي اسم مؤنث معرفة فلا ينصرف.
{نزّاعة للشوى} قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم في رواية أبي بكر عنه والأعمش وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ {نزّاعةٌ} بالرفع.
وروى أبو عمرو عن عاصم {نزّاعة} بالنصب.
فمن رفع فله خمسة أوجه: أحدها أن تجعل {لظى} خبر (أن) وترفع {نزاعة} بإضمار هي؛ فمن هذا الوجه يحسن الوقف على {لظى}.
والوجه الثاني أن تكون {لظى} و{نزاعة} خبران لإن.
كما تقول إنه خلق مخاصم.
والوجه الثالث أن تكون {نزاعة} بدلا من {لظى} و{لظى} خبر (أن).
والوجه الرابع أن تكون {لظى} بدلا من اسم (أن) و{نزاعة} خبر (أن).
والوجه الخامس أن يكون الضمير في {إنها} للقصة، و{لظى} مبتدأ و{نزاعة} خبر الابتداء والجملة خبر (أن).
والمعنى: أن القصة والخبر لظى نزاعة للشّوى.
ومن نصب {نزاعة} حسن له أن يقف على {لظى} وينصب {نزاعة} على القطع من {لظى} إذ كانت نكرة متصلة بمعرفة.
ويجوز نصبها على الحال المؤكدة؛ كما قال: {وهُو الحق مُصدِّقا} [البقرة: 19].
ويجوز أن تنصب على معنى أنها تتلظى نزاعة؛ أي في حال نزعها للشّوى.
والعامل فيها ما دل عليه الكلام من معنى التلظي.
ويجوز أن يكون حالا؛ على أنه حال للمكذبين بخبرها.
ويجوز نصبها على القطع؛ كما تقول: مررت بزيد العاقل الفاضل.
فهذه خمسة أوجه للنصب أيضا.
والشّوى: جمع شواة وهي جلدة الرأس.
قال الأعشى:
قالت قُتيْلةُ مالهُ ** قد جُلِّلتْ شيْبا شواتُهُ

وقال آخر:
لأصبحت هدّتك الحوادث هدّة ** لها فشواة الرأس بادٍ قتِيرُها

القتير: الشّيب.
وفي الصّحاح: والشوى: جمع شواة وهي جلدة الرأس.
والشّوى: اليدان والرجلان والرأس من الآدميين، وكل ما ليس مقتلا.
يقال: رماه فأشواه إذا لم يصب المقتل.
قال الهُذليّ:
فإن من القول التي لا شوى لها ** إذا زلّ عن ظهر اللّسان انفلاتها

يقول: إن من القول كلمة لا تشوِي ولكن تقتل.
قال الأعشى:
قالت قُتيْلةُ ماله قد ** جُلّلت شيْبا شواته

قال أبو عبيد: أنشدها أبو الخطاب الأخفش أبا عمرو بن العلاء فقال له: صحّفت! إنما هو سراتُه؛ أي نواحيه فسكت أبو الخطاب ثم قال لنا: بل هو صحّف، إنما هو شواته.
وشوى الفرس: قوائمه؛ لأنه يقال: عبْل الشّوى، ولا يكون هذا للرأس؛ لأنهم وصفوا الخيل بإسالة الخدين وعِتقِ الوجه وهو رِقّته.
والشّوى: رُذال المال.
والشّوى: هو الشيء الهيّن اليسير.
وقال ثابت البُنانيّ والحسن: {نزّاعة للشوى} أي لمكارم وجهه.
أبو العالية: لمحاسن وجهه.
قتادة: لمكارم خلقته وأطرافه.
وقال الضّحاك: تفْرِي اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئا.
وقال الكسائي: هي المفاصل.
وقال بعض الأئمة: هي القوائم والجلود.
قال آمرؤ القيس:
سلِيم الشّظى عبْل الشّوى شنِجُ النّسا ** له حجبات مُشْرِفاتٌ على الفالِ

وقال أبو صالح: أطراف اليدين والرجلين.
قال الشاعر:
إذا نظرتْ عرفت الفخر منها ** وعينيها ولم تعرف شواها

يعنى أطرافها.
وقال الحسن أيضا: الشّوى الهام.
{تدْعُو منْ أدْبر وتولى} أي تدعو لظى من أدبر في الدنيا عن طاعة الله وتولّى عن الإيمان.
ودعاؤها أن تقول: إلى يا مشرك، إلى يا كافر.
وقال ابن عباس: تدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح: إلى يا كافر، إلى يا منافق، ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحبّ.
وقال ثعلب: {تدْعُو} أي تهلك.
تقول العرب: دعاك الله؛ أي أهلكك الله.
وقال الخليل: إنه ليس كالدعاء (تعالوا) ولكن دعوتها إياهم تمكنها من تعذيبهم.
وقيل: الداعي خزنة جهنم؛ أضيف دعاؤهم إليها.
وقيل هو ضرب مثل؛ أي إن مصير من أدبر وتولّى إليها؛ فكأنها الداعية لهم.
ومثله قول الشاعر:
ولقد هبطنا الوادِييْن فواديا ** يدعو الأنيس به العضيض الأبكمُ

العضيض الأبكم: الذباب.
وهو لا يدعو وإنما طنينه نبّه عليه فدعا إليه.
قلت: القول الأول هو الحقيقة؛ حسب ما تقدّم بيانه بآي القرآن والأخبار الصحيحة.
القشيريّ: ودعاء لظى بخلق الحياة فيها حين تدعو، وخوارق العادة غدا كثيرة.
{وجمع فأوعى} أي جمع المال فجعله في وعائه ومنع منه حق الله تعالى؛ فكان جموعا منوعا.
قال الحكم: كان عبد الله بن عُكيم لا يربط كيسه ويقول سمعت الله يقول: {وجمع فأوعى}. اهـ.